تخطَّ إلى المحتوى

المادة الرابعة بعد المائة

المادة الرابعة بعد المائة

١- إذا كانت عبارة العقد واضحةً فلا يُعدل عن مدلولها بحجة تفسيرها بحثاً عن إرادة المتعاقدين.

٢- إذا كان هناك محل لتفسير العقد فيجب البحث عن الإرادة المشتركة للمتعاقدين، دون الاكتفاء بالمعنى الحرفي للألفاظ، ويُستهدى في ذلك بالعرف وظروف العقد وطبيعة المعاملة وما جرت به العادة في التعامل بين المتعاقدين وحالهما وما ينبغي أن يسود من أمانة وثقة بينهما، وتُفسِّر شروط العقد بعضها بعضاً وذلك بإعطاء كل شرط المعنى الذي لا يتعارض به مع غيره من الشروط.

٣- يُفسر الشك لمصلحة من يتحمل عبء الالتزام أو الشرط، ويُفسر في عقود الإذعان لمصلحة الطرف المـُذْعِن.

شرح المادة 104

تضمنت المادة ثلاث قواعد نظامية يجب على القاضي أن يأخذ بها عند تفسيره للعقد، ومجال تطبيق كل قاعدة منها في حال تختلف فيه عن الأخرى وفق الآتي: الحالة الأولى: أن تكون عبارة العقد واضحة: بينت الفقرة الأولى القاعدة النظامية لهذه الحالة، فإذا كانت عبارة العقد واضحة فلا يجوز الخروج عن مدلولها بحجة تفسيرها بحثاً عن إرادة المتعاقدين، ولا يكون القاضي بحاجة في هذه الحالة إلى تسبيب حكمه بأكثر من أن يبين أن هذا هو المعنى الواضح الذي يعبر عن مقصود المتعاقدين. والمقصود بوضوح العبارة أي وضوح دلالتها على إرادتهما وليس المراد وضوح لفظها، فلو تبين للقاضي أن النية المشتركة لهما تخالف مدلول العبارة التي استخدماها، بأن لم يتخير المتعاقدان اللفظ المعبر عن قصدهما، أو أحاط بعبارتهما الواضحة ملابسات ترجح حملها على معنى مغاير حملها القاضي على المعنى المشترك لهما، ويجب في هذه الحالة أن يذكر الأسباب التي دعته إلى ترك معنى العبارة الظاهر. الحالة الثانية: أن تكون عبارة العقد غير واضحة ومن الممكن تفسيرها بينت الفقرة الثانية القاعدة النظامية لهذه الحالة؛ فإذا كان في عبارة العقد غموض وكان هناك محل لتفسيرها فيجب تفسيرها بالبحث عن الإرادة المشتركة للمتعاقدين دون الاكتفاء بالمعنى الحرفي للألفاظ؛ وقد يتحقق الغموض رغم وضوح بعض عبارات العقد إذا كانت تتعارض مع عبارات أخرى فيه، بحيث يغم قصد المتعاقدين. وبهذا فإن الغموض يختلف عن التمسك بمدلول يخالف ظاهر العبارة كما تقدم، وقد بينت الفقرة عدداً من الوسائل - لا على سبيل الحصر - يستعين بها القاضي في تفسير العقد للوصول إلى النية الحقيقية لهما، وهذه الوسائل تنقسم قسمين: القسم الأول: وسائل داخلية؛ أي من العقد ذاته، وذكرت الفقرة منها: أ- طبيعة المعاملة، من حيث كونها بيعاً أو إيجاراً أو قرضاً أو مضاربة أو غير ذلك فيستعين بها القاضي في تحديد مراد المتعاقدين من العبارات المحتملة؛ إذ المعقول أن المتعاقدين حين لم يصرحا بإرادتهما فقد قصدا أن يتركا العقد محكوماً بما تقتضيه طبيعته. ب ظروف التعاقد مما يكون قد سبقه أو عاصره من مفاهمات واتفاقات تتصل بموضوع العقد، وكذا ما ينبغي أن يسود من أمانة وثقة بين المتعاقدين، فالأمانة واجبة على المتعاقد، والثقة حق له، فإذا كان هناك إيهام في التعبير أو لبس واستطاع أن يتبينه أو كان بمقدوره ذلك فالأمانة تقتضي ألا يستغل هذا الإيهام أو اللبس، والثقة تقتضي أن الشخص يطمئن إلى العبارة الموجهة إليه بحسب ظاهرها وأن المعنى الظاهر منها هو ما قصده الموجب، وعلى هذا تحمل عبارات العقد على أنها قائمة على أساس الأمانة والثقة فيما بينهما. ويستعين القاضي كذلك بالقواعد الكلية في التفسير ؛ فإذا احتملت عبارة العقد أكثر من معنى وكان أحد هذه المعاني هو الذي ينتج أثراً قانونياً حملت العبارة على هذا المعنى؛ تطبيقاً لقاعدة: "إعمال الكلام أولى من إهماله، وإذا تعذر إعمال الكلام بأي وجه من الوجوه فإنه يهمل ويعد لغواً، إعمالاً للقاعدة: "إذا تعذر إعمال الكلام يهمل" ، ويحمل اللفظ على المعنى الذي وضع له أصلاً؛ فلا يصار إلى المعنى المجازي البعيد إلا إذا وجد ما يخرج اللفظ عن حقيقته تطبيقاً لقاعدة: الأصل في الكلام الحقيقة"، ويجب أن تفسر عبارات العقد بعضها ببعض، فلا يجوز عزل العبارة الواحدة عن بقية العبارات فقد تكون هناك عبارة مطلقة وتقيدها عبارة سابقة أو لاحقة فتطبق القاعدة الكلية: "المطلق يجري على إطلاقه؛ ما لم يقم دليل التقييد نصا أو دلالة". القسم الثاني: وسائل خارجية، وذكرت منها الفقرة: أ- العرف، أي أن العقد يطبق وفقاً لما يقتضيه العرف الجاري في التعامل؛ إذ المفترض أن المتعاقدين عالمان بما استقر عليه عرف التعامل فتحمل إرادتهما إذا لم يصرحا بخلافه على ما جرى عليه العرف، فإذا كانت عبارة العقد مبهمة فيستعان بالعرف في تفسيرها. ويراعى في اعتبار العرف شروطه المبينة في شرح المادة (٧٢٠). ب ما جرت به عادة التعامل بين المتعاقدين وحالهما، وهي هنا أخص من العرف فهي قد تكون محصورة بين المتعاقدين لا عرفاً مستقراً في السوق، فتكون مفسرة لإرادة المتعاقدين المبهمة؛ إذ إن جريان عادة التعامل بينهما على نحو معين قرينة قوية على أنهما قصداه فيما سكتا عن التصريح بخلافه، مثل أن يتفقا على أن يكون الثمن بسعر السوق دون تحديد أي سوق ولكن جرت عادة التعامل بينهما على اعتبار سوق معينة فتعتبر تلك السوق. وبين آخر الفقرة أن يراعى في تفسير العقد أن تفسر شروط العقد بعضها بعضاً؛ وذلك بأن يعطى كل شرط المعنى الذي لا يتعارض به مع غيره من الشروط؛ لأن شروط العقد يكمل بعضها بعضاً؛ فيجب أن يراعى في تفسير كل شرط ما تضمنه العقد من شروط أخرى مبينة أو مقيدة لهذا الشرط. الحالة الثالثة الشك في معنى العبارة بينت الفقرة الثالثة حال الشك في التعرف على النية المشتركة للمتعاقدين؛ بأن يحتمل تفسير العبارة معاني متعددة لا مرجح لأحدها على الآخر، ففي هذه الحالة يفسر الشك المصلحة من يتحمل عبء الالتزام أو الشرط؛ وعلى هذا: أ- يفسر الشك في التزام لمصلحة المدين بهذا الالتزام؛ مثل أن تحتمل عبارة العقد وجوب الوفاء بشيء ذي جودة عالية أو متوسطة ولا مرجح، فتحمل على الجودة المتوسطة. ب يفسر الشك في شرط من الشروط لمصلحة من يتحمل عبء ذلك الشرط سواء كان في مركز الدائن أو المدين؛ ومن ذلك الشك في الشروط المعدلة للمسؤولية العقدية، فمثلاً لو اتفق المتعاقدان في عقد البيع على زيادة مسؤولية البائع في ضمان الاستحقاق أو العيب؛ كأن يضمن قيمة المبيع عند الاستحقاق ولو زادت على الثمن أو يضمن أي عيب ولو لم ينقص من قيمة المبيع أو نفعه، فيفسر الشرط عند الشك فيه لمصلحة البائع لأنه من يتحمل عبء هذا الشرط ولو اتفق المتعاقدان في عقد البيع على إعفاء البائع من ضمان الاستحقاق أو العيب إسقاطاً أو تخفيفاً؛ كأن يشترط البائع أن يرد الثمن فقط عند الاستحقاق دون التعويضات الأخرى أو يشترط براءته من العيوب الخفية؛ فيفسر الشرط عند الشك فيه لمصلحة المشتري؛ لأنه من يتحمل عبء هذا الشرط. والمسوغ للأخذ بالمعنى الأقل إلزاماً لمن يتحمل عبء الالتزام أو الشرط هو أن الأصل براءة ذمته من قدر الالتزام أو الشرط المشكوك فيه، فيحمل على الأقل تطبيقاً للقاعدة الكلية: اليقين لا يزول بالشك"، ولأن إثبات القدر المشكوك فيه يتحمله من كان الالتزام أو الشرط لمصلحته، فإذا عجز عن إثباته فلا يبقى إلا الأخذ بالقدر الذي قام عليه الدليل. ويراعى في تطبيق هذه القاعدة أن مجال تطبيقها في حال الشك أي تساوي الاحتمالات، أما إذا ترجح أحد الاحتمالات فيؤخذ به. واستثنت الفقرة في تطبيق هذه القاعدة ما إذا كان العقد عقد إذعان فيفسر الشك عند وقوعه لمصلحة الطرف المُذعِن؛ لأن الطرف الآخر هو من صاغ العقد وأعد شروطه فإذا كانت بعض عباراته مبهمة يحوم حولها الشك فالخطأ خطأه ويتحمل تقصيره، بينما المذعن - وهو الطرف الأضعف دائناً أو مديناً لا يد له في هذا الغموض؛ لأن قبوله هو مجرد التسليم بالشروط التي وضعها الطرف الآخر. ويجدر التنبه في تطبيق حكم هذه المادة إلى التمييز بين حالة غموض العقد أو الشك فيه مع إمكان تفسيره وبين الحالة التي يستحيل فيها على القاضي تفسير العقد مهما كان جانب الشك فيه، بحيث يتبين له عدم وجود نية مشتركة للمتعاقدين التقيا عندها، بل أراد كل منهما غير ما أراده الآخر، فهنا يتبين عدم انعقاد العقد.