شرح المادة 613
تقرر المادة مبدأ عاماً في حقوق الجوار، فترتب المادة التزامات على الجار تجاه جاره فتمنعه من الغلو في استعمال ملكه، ومعيار الغلو الذي يمنع منه المالك هو كل عمل يترتب عليه ضرر غير مألوف، فإذا لم يترتب على استعمال المالك ملكه ضرر غير مألوف لم يتحقق الغلو الذي تشترطه المادة لتقييد حق الملكية.
ومع ذلك فالإحسان إلى الجار الذي حثت عليه نصوص الشريعة الإسلامية يقتضي أن يحرص الجار على اجتناب كل ضرر يقع على جاره ولو كان مألوفاً.
وتشير الفقرة الثانية إلى أن الجوار يفرض على الملاك المتجاورين أن يتحمل كل منهم قدراً من الضرر المألوف لا مناص من التسامح فيه وإلا شق على الملاك استعمال حقوقهم، فالأصوات التي تصدر عن الجار ورائحة الطبخ التي تصل إلى الجار يمكن وصفها بأنها أضرار، لكن كثيراً منها لا يخرج عن المألوف، فلا يمنع الجار منها ولا مسؤولية عليه فيها.
وهذا فارق جوهري بين مسؤولية الجار والمسؤولية التي تقضي بها القواعد العامة فالقواعد تقضي بالتعويض عن الضرر مهما كان قدره، لكن في مضار الجوار لا تقوم المسؤولية إلا إذا جاوز الضرر الحد المألوف بين الجيران رغم قيام عنصر الخطأ وهو الغلو في الاستعمال، لكن هذا الغلو لا يعتد به إلا بالنظر إلى مقدار الضرر، ولهذا جعل معيار الغلو حصول الضرر غير المألوف.
وتقدير قدر الضرر من حيث كونه مألوفاً أو غير مألوف هو سلطة تقديرية للمحكمة تراعي فيه أربع اعتبارات نصت عليها الفقرة الثانية:
الاعتبار الأول: العرف، فما جرى العرف فيه بين الجيران أن يتحمله بعضهم من بعض لا يعد ضرراً غير مألوف، وهذا يختلف باختلاف تطور ظروف المجتمع، فبعض الأضرار تعد مألوفة في القرى والأرياف ولا تعد كذلك في المدن.
والاعتبار الثاني: طبيعة العقارات، فإذا كان العقار فندقاً، تحمل الجار فيه من جاره أكثر مما يتحمله الجيران في مساكن خاصة هادئة، وإذا كان العقار مصنعاً تدور فيه الآلات ويحتشد فيه العمال، تحمل صاحبه من جاره ما لا يتحمل غيره.
والاعتبار الثالث موقع كل عقار بالنسبة إلى العقار الآخر ، فصاحب السفل يتحمل بحسب موقعه من الضرر الناشئ عن الأصوات المقلقة للراحة أكثر مما يتحمله صاحب العلو، والعقار المجاور لمصنع يتحمل من الضرر أكثر مما يتحمله البعيد عنه.
والاعتبار الرابع: الغرض الذي خصص له العقار، فالعقار المخصص للسكنى الهادئة غير المخصص لأغراض تزيد فيها حركة الناس وأصواتهم.
والمعيار في هذه الاعتبارات الأربعة معيار موضوعي لا يعتد فيه بالظروف الخاصة للجار الذي أصابه الضرر.
وهذه المعايير الأربعة ليست حاصرة، فقد ترى المحكمة الاستناد إلى معايير أخرى مثل أسبقية العقار على آخر وأثره في تقدير الضرر.
وختمت المادة بالتأكيد على أن الترخيص بإنشاء عقار أو تنفيذ نشاط الصادر من الجهات المختصة لا يمنع الضرر من أن يكون غير مألوف؛ ومن ثم يحق للجار المطالبة بإزالة الضرر؛ لأن هذا الترخيص إنما يراد به ضمان توفر الشروط التي يشترطها النظام المباشرة النشاط، ولا شأن لهذا الترخيص بما للغير من حقوق إذا أصابه ضرر بسبب هذا النشاط؛ فمثلاً لو صدر ترخيص لصالة أفراح تقام فيها المناسبات، فإن هذا الترخيص لا يمنع الجار إذا أصابه ضرر غير مألوف وفقاً للاعتبارات الأربعة السابقة وغيرها مما تقدره المحكمة من أن يرجع على مالك هذه الصالة بالمطالبة بإزالة هذه المضار وإذا قامت مسؤولية الجار عن الضرر غير المألوف الذي يحدثه بجاره وجب عليه التعويض، والتعويض إما أن يكون تعويضاً عينياً بإزالة الضرر، وقد يكون تعويضاً نقدياً وفق قواعد التعويض.
Related To
المادة الثالثة عشرة بعد الستمائة
١- على المالك ألا يغلو في استعمال حقه إلى حد يضر بملك الجار.
٢- ليس للجار أن يرجع على جاره في مضار الجوار المألوفة التي لا يمكن تجنبها، وإنما له أن يطلب إزالة هذه المضار إذا تجاوزت الحد المألوف، ويُراعى في ذلك العرف، وطبيعة العقارات، وموقع كل منها بالنسبة إلى الآخر، والغرض الذي خصصت له، ولا يحول الترخيص الصادر من الجهات المختصة دون استعمال الجار حقه في المطالبة بإزالة هذه المضار.