تخطَّ إلى المحتوى

شرح المادة 359

شرح المادة 359

تتناول المادة حكم بيع الشخص شيئاً معيناً بالذات غير مملوك له؛ ويقع ذلك من الناحية العملية؛ فقد يبيع الشخص شيئاً مملوكاً لابنه أو أبيه أو زوجته أو قريبه لا باعتباره نائباً عنه، بل باعتباره أصيلاً عن نفسه، وقد يبيع الوارث شيئاً ليس في التركة، أو في التركة ولكن لم يقع في حصته، وقد يبيع الشريك في الشيوع المال الشائع كله وهو لا يملك إلا حصة فيه، وفي جميع ذلك قد يكون البائع يجهل أن الشيء غير مملوك له أو يعلم ذلك. وقد بينت المادة بفقرتيها أثر بيع ملك الغير من جانبين: الأول: أثر ذلك في حق المالك. والثاني: أثر ذلك في حق المتعاقدين والغير. فبينت الفقرة الأولى أن هذا البيع لا يكون نافذاً في حق المالك؛ فلا يفيد هذا البيع انتقال ملك المبيع إلى المشتري إلا إذا أجازه المالك، وعلى هذا: إذا لم يجز المالك البيع فله أن يرفع دعوى استحقاق لاسترداد المبيع من المشتري أو ممن انتقلت إليه حيازة المبيع، وتجري أحكام الحيازة المبينة في المواد (٦٧٢-67٧) فيما يتعلق بما يلزم المشتري - بصفته حائزاً للمبيع - أن يعوض المالك عنه من ثمار المبيع وما يجب على المالك أن يعوض المشتري عنه من النفقات الضرورية أو النافعة أو الكمالية التي أنفقها المشتري على المبيع، وكذا المسؤولية عن هلاك المبيع في يد المشتري، ووفقاً لما هو مقرر هناك فإن الحيازة لا تكسب الحائز ملكية الشيء ولو طالت المدة؛ فلا تتقادم دعوى الاسترداد هذه. وللمالك كذلك الرجوع على البائع بالتعويض إن كان له مقتض عما لحقه من ضرر بسبب بيع ملكه وفقاً لقواعد المسؤولية عن الفعل الضار. وإذا أجاز المالك البيع فإن البيع ينفذ في حقه، وتسري على إجازته - باعتبارها تصرفاً نظامياً من طرف واحد - القواعد العامة المقررة في القسم الأول من هذا النظام؛ فلا تتوقف الإجازة على قبول المشتري، ويستند أثرها إلى وقت البيع لا وقت صدور الإجازة، وتصح صراحة أو ضمناً، ويشترط في المجيز أهلية البيع عند الإجازة، وغير ذلك من الأحكام. وبين آخر المادة أن الإجازة لا يجوز أن تخل بحقوق الغير التي ثبتت في المبيع قبل الإجازة؛ لأن البيع قبل الإجازة لم يكن نافذاً في حق المالك؛ فلو كان المالك قد رتب حقاً عينياً في المبيع كحق انتفاع أو حق رهن مستوف لشروطه النظامية، أو رتب حقاً شخصياً كعقد إيجار على المبيع، فتنتقل ملكية المبيع إلى المشتري محملة بذلك الحق؛ لأنه سابق على نفاذ البيع في حق المالك؛ وللمشتري الرجوع بضمان الاستحقاق الجزئي في هذه الحال. وبينت الفقرة الثانية أثر بيع ملك الغير فيما بين المتعاقدين، فهو عقد قابل للإبطال لمصلحة المشتري وحده دون البائع، ويمارس المشتري حقه في الإبطال إما بدعوى يقيمها لطلب إبطال البيع، أو بدفع في دعوى يرفعها عليه البائع للمطالبة بالثمن، وتسري على إبطال البيع الأحكام المبينة في القواعد العامة للإبطال. ومتني أجاز المشتري البيع صراحة أو ضمناً سقط حقه في الإبطال. وإجازة المشتري للبيع لا أثر لها في نفاذ العقد في حق المالك؛ فسواء أجاز المشتري البيع أو لم يجزه؛ فالبيع لا ينفذ في حق المالك إلا إذا أجازه هو. وعموم الفقرة يدل على أن للمشتري حق الإبطال سواء كان يجهل وقت البيع أن البائع لا يملك المبيع أو كان يعلم ذلك؛ فقد يكون رضي بالبيع مع علمه أن البائع لا يملك المبيع معتقداً أن البائع قادر على أن يجعل المالك يقبل بنقل ملكية المبيع؛ على أن المشتري متى علم بأن المبيع غير مملوك للبائع فتتقادم دعوى الإبطال بانقضاء سنة من علمه تطبيقاً للقواعد العامة، ولا يلزم لدعوى الإبطال أن يقع تعرض من المالك للمشتري؛ فله أن يطلب الإبطال ولو لم يتعرض له المالك فعلاً. وعموم المادة يدل أيضاً على أن للمشتري حق الإبطال سواء كان البائع سيء النية أي كان يعلم عند التعاقد أن المبيع ليس مملوكاً له أو كان حسن النية أي لم يكن يعلم بعدم ملكيته للمبيع. وبينت الفقرة أن حق المشتري في طلب الإبطال يسقط - بالإضافة إلى مسقطات حق طلب الإبطال المقررة في القواعد العامة في حالتين: الحالة الأولى: إذا انتقلت ملكية المبيع للبائع بعد ابرام عقد البيع؛ سواء انتقلت إليه بالشراء أو الاتهاب أو الإرث أو الوصية أو غير ذلك؛ لانعدام الغاية من حق الإبطال وهي حماية المشتري الذي باع له البائع ما لا يملكه. والحالة الثانية: إذا أجاز المالك البيع صراحة أو ضمناً. ولا يسقط حق المشتري في طلب الإبطال إلا إذا تحقق أي من الحالتين السابقتين قبل طلبه الإبطال؛ أما إذا رفع دعوى الإبطال ثم تملك البائع المبيع أو أجاز المالك البيع قبل صدور الحكم فلا يسقط حق الإبطال؛ إذ المعتبر هو وقت رفع الدعوى لا وقت الحكم؛ فطلب الإبطال - خلافاً لطلب الفسخ - لا توقي فيه بعد رفع الدعوى إلا في الأحوال المنصوص عليها في النظام ولا إمهال فيه. ويجدر التنبه في تطبيق أحكام المادة إلى أمور: أولاً: لا يرد حكم المادة في الصور الآتية: أ- إذا كان المبيع معيناً بالنوع؛ ولو لم يكن البائع يملك مثل ذلك النوع عند البيع؛ إذ المعين بالنوع لا يتصور له مالك معين عند البيع؛ فلا يعد من بيع ملك الغير. ب بيع الشيء المعين بالذات إذا كان مملوكاً للبائع تحت شرط واقف أو فاسخ؛ فالمبيع ينتقل إلى المشتري بالبيع محملاً بهذا الشرط. ج- بيع الشيء المعين بالذات غير المملوك للبائع إذا علق البائع البيع على شرط تملك البائع المبيع. د تعهد الشخص للغير بأن يبيع المالك الشيء للمتعهد له؛ فيجري على هذا التعهد أحكام التعهد عن الغير المبين في المادة (١٠٠). ه بيع شيء مملوك للمشتري، وهو يجهل ملكيته لذلك الشيء؛ كمن يشتري شيئاً يجهل أنه ورثه أو وهب له؛ فالبيع في هذه الحالة باطل بطلاناً مطلقاً؛ لاستحالة المحل؛ إذ يستحيل نقل ملكية شيء إلى من هو مالك له فعلا. ثانياً: حق الإبطال في المادة هو إبطال خاص بهذه المسألة يضاف إلى أسباب الإبطال المقررة في القواعد العامة؛ ولا يشترط لهذا الإبطال وجود عيب من عيوب الرضا بل يثبت للمشتري في جميع الأحوال بمجرد كون المبيع معيناً بالذات غير مملوك للبائع، ولا يحول ذلك دون حق المشتري في طلب الإبطال لمقتض آخر ، وله أيضاً ألا يتمسك بالإبطال، ويبقى له الحق في طلب الفسخ لإخلال البائع بالتزامه بنقل ملكية المبيع، أو التمسك بالعقد ويبقى له حق الرجوع على البائع بضمان الاستحقاق إذا رفعت عليه دعوى استحقاق من المالك. ثالثاً: إجازة المالك وإجازة المشتري للعقد تتفقان في أن كلاً منهما تصرف نظامي من جانب واحد تجري عليه القواعد العامة لذلك؛ وأن أثر كل منهما يستند من حين إبرام العقد لا من حين الإجازة، ولكنهما يختلفان في أن إجازة المالك ترد على عقد لم يكن نافذاً في حقه؛ لكونه ليس طرفاً فيه؛ إعمالاً لمبدأ نسبية العقد المقرر في المادة (۹۹)؛ وإذا أجاز المالك العقد نفذ في حقه بأثر رجعي، بينما إجازة المشتري ترد على عقد صحيح نافذ في حقه، وأثرها في سقوط حقه في الإبطال؛ إعمالاً للقاعدة العامة في حق الإبطال المقررة في المادة (۷۸) ، وليس لإجازة المشتري أثر رجعي؛ لأن العقد نافذ قبل صدورها ؛ وبناءً على ذلك؛ فليس ثمة حاجة لتقييد إجازة المشتري بعدم الإضرار بحقوق الغير؛ لأن أثر العقد على الغير قبل الإجازة وبعدها واحد بخلاف إجازة المالك؛ فيجب ألا تؤثر على حقوق الغير، ومن جانب آخر فإن إجازة المالك للبيع تسقط حق المشتري في الإبطال؛ لانتفاء الغاية منه؛ ولا عكس؛ فلا أثر لإجازة المشتري على سقوط حق المالك في التمسك بعدم نفاذ البيع في حقه، وهذا الاختلاف بين الإجازتين ليس مرده اختلاف إحدى الإجازتين في طبيعتها عن الأخرى؛ فكل منهما تصرف نظامي بإرادة منفردة، وإنما لاختلاف المركز النظامي لمن صدرت منه الإجازة؛ ولذا لم يتجه النظام إلى استخدام مصطلح آخر غير الإجازة كالإقرار مثلاً للتعبير عن الإجازة الصادرة من المالك أو غيره ممن ليس طرفاً في العقد في هذا الموضع والمواضع الأخرى من النظام لتمييزه عن الإجازة الصادرة من أحد طرفي العقد، كما هو صنيع بعض القوانين المقارنة؛ بل استخدم النظام مصطلح الإجازة) في الموضعين؛ لاتفاق طبيعتهما النظامية؛ ولتجنب التباس مصطلح الإقرار بما في الإثبات.

المادة التاسعة والخمسون بعد الثلاثمائة

١- إذا باع شخص بلا إذن شيئاً معيناً بالذات وهو لا يملكه؛ فلا ينفذ هذا البيع في حق المالك، وإذا أجازه نفذ في حقه، دون إخلال بحقوق الغير.

٢- للمشتري طلب إبطال البيع ما لم تؤل ملكية المبيع إلى البائع بعد العقد، أو يُجز المالك البيع.