شرح المادة 1
تقرر الفقرة الأولى من المادة أن نصوص النظام تطبق على جميع المسائل التي تتناولها وهي في الأصل مسائل المعاملات المدنية بمفهومها الضيق، إلا أنها تشمل في عمومها ووفقاً لما سبقت الإشارة إليه في مقدمة الشرح جميع المسائل التجارية أو الأحوال الشخصية أو العمالية ومسائل الإثبات وغيرها فيما لم يرد فيه نص في الأنظمة الخاصة فيها، وبما لا يتعارض مع طبيعتها.
وسواء كان تناول النصوص للمسائل واضحاً من منطوق المادة، أو من فحواها، فكلها معتبرة في الدلالة على الحكم المستنبط، ويستخدم في ذلك قواعد اللغة والمنطق وأصول الفقه وقواعد تفسير نصوص الأنظمة.
وبناء على ذلك؛ فاستخلاص المعنى من النصوص يكون من طريق عبارته وألفاظه، أو من طريق الإشارة، أو من طريق الدلالة، وذلك للوصول إلى إرادة المنظم. فأما استخلاص المعنى بطريق العبارة، فيقصد به ما يفهم من عبارة النص الذي يتبادر فهمه من صيغته ويكون هو المقصود من سياقه، ويلاحظ أنه إذا كان لبعض ألفاظ النص معنى لغوي وآخر اصطلاحي، فالأصل فيه أن يحمل على معناه الاصطلاحي. وأما استخلاص المعنى بطريق الإشارة، فيقصد به ما يفهم من إشارة النص وقد لا يفهم من ألفاظه، ولكن يكون لازماً لمعنى متبادر من ألفاظه، ويلاحظ أنه إذا تعارض المعنى المستفاد من طريق الإشارة لأحد النصوص مع معنى مستفاد من طريق عبارة نص آخر وجب تقديم معنى العبارة على معنى الإشارة. وأما استخلاص المعنى عن طريق دلالته فيقصد به ما يفهم من طريق مفهوم الموافقة أو مفهوم المخالفة، فالأول يفترض وجود نص تدل عبارته على حكم في واقعة لعلة اقتضت هذا الحكم، ووجود واقعة أخرى تساوي هذه الواقعة في علة الحكم أو أولى منها، فيثبت حكم النص للواقعة الأخرى عن طريق مفهوم الموافقة، والثاني: وهو مفهوم المخالفة؛ فيفترض وجود نص على حكم مقيد بقيد أو مشروط بشرط، فمنطوق النص وحكمه هو ما ورد عليه القيد أو الشرط، وخلاف الحكم فيما لم يرد فيه القيد أو الشرط، وهو مفهوم المخالفة.
ويلاحظ أن استخلاص المعنى بطريق العبارة أو الإشارة مقدم على استخلاصه بطريق الدلالة، وهو ما صرحت به القاعدة الكلية الواردة في الأحكام الختامية لهذا النظام، وهي: لا عبرة بالدلالة في مقابلة التصريح.
ومن المسائل المهمة في دلالات النصوص على المعاني ما يتعلق بمفهوم القواعد الأمرة والقواعد المكملة في النصوص النظامية، وارتباطها بمفهوم النظام العام. فالقواعد الآمرة هي القواعد التي لا يجوز للأفراد مخالفتها لأنها وضعت للحفاظ على النظام العام، ويقابلها القواعد المكملة أو المفسرة فهي تكمل إرادة المتعاقدين وتفسرها في حال كان فيها غموض، وكلا النوعين من القواعد ملزم، إلا أنها تختلف في درجة الإلزام فالقواعد الآمرة لا يجوز مخالفتها أما القواعد المكملة فيجوز مخالفتها أو التعديل عليها من قبل طرفي التعامل، وإذا هم اتبعوها ولم يخالفوها فهي ملزمة لهم، والذي يميز بين النوعين هو اتصالها أو عدم اتصالها بالنظام العام.
والنظام العام من المفاهيم التي دار حولها بحث ونقاش طويل، ومن تعريفاته أنه كل ما يرتبط بمصلحة عامة تمس النظام الأعلى للمجتمع سواء كانت هذه المصلحة سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية أو خلقية، ويصعب حصر صور هذه العناصر، فمنها: الكثير من مسائل الأحوال الشخصية، وهي مبينة في نظامها، وكذلك: أحكام المحل في التعاملات المالية في الجملة، وعدم جواز الاتفاق على أن يرتكب شخص جريمة بآخر مقابل مبلغ مالي والاختصاصات النوعية في المحاكم، وحالات منع القاضي من نظر بعض الدعاوى، وفكرة النظام العام نسبية تختلف باختلاف البلاد والأزمان، وهو ما يجعل ترك تقديرها للقضاء في غير ما نص عليه؛ هو الأنسب والأقرب لتحقيق مصالح الأشخاص.
وأما ما يتعلق بالمسائل المدنية المالية، ومنها موضوع هذا النظام فالأصل في أحكامه أنها من القواعد المكملة المفسرة التي يجوز للأطراف الاتفاق على مخالفتها؛ لأن إصدار النظام في الأصل جاء تعبيراً عن إرادة مجموع المتعاملين؛ فالأشخاص عند التعاقد في الغالب يذكرون في عقودهم المسائل الأساسية مثل المبيع وقدر الثمن ويتركون تفاصيل العقد فيما يتعلق بمكان الوفاء وأحكام تنفيذه للنظام.
وبناء على ذلك؛ فما ورد في هذا النظام من مواد وما تضمنته من أحكام وقواعد تعد من حيث الأصل من القواعد المكملة التي يجوز للأطراف الاتفاق على خلافها، ويستثنى من ذلك نوعان من القواعد هي من النظام العام، وهي: النوع الأول: ما نص النظام فيها على أنها كذلك، ويكون ذلك بالتصريح على أنه لا يجوز الاتفاق على مخالفتها أو أن التصرف أو الشرط أو التعامل باطل. والنوع الثاني: أن يكون حكم المادة مشمولاً في مفهوم النظام العام الذي سبقت الإشارة إليه، وذلك مثل الأحكام المتعلقة بمحل الالتزام، أو أحكام التنازل عن الأهلية، أو المسائل المتعلقة بتصرفات عديم الأهلية، ونحوها.
وتجدر الملاحظة أن المنظم لم يلتزم ببيان القواعد الآمرة أو المكملة في نصوصه، إلا أنه في بعض المواطن صرح بأن الحكم مما يجوز مخالفته، وفي بعضها أنه لا تجوز مخالفته؛ وذلك في المسائل التي يريد التأكيد عليها إما لأهميتها أو لرفع اللبس فيها. وحكم هذه الفقرة يقرر مبداً مهماً وهو أنه لا يجوز الاجتهاد مع وجود النص؛ فلا يجوز للقضاة فضلاً عن غيرهم أن يخالفوا مدلول النص والعدول عنه بقصد السعي للبحث عن حكمة التشريع ودواعيه، وقد قرره النظام صريحاً في القاعدة الكلية الواردة في الأحكام الختامية لا مساغ للاجتهاد في مورد النص).
وتقرر الفقرة أنه في حال لم يوجد نص وفقاً لما سبق؛ فتطبق القواعد الكلية الواردة في الأحكام الختامية لهذا النظام؛ لأنها من نصوص النظام إلا أنها تأتي تالية على النصوص السابقة لها في النظام؛ لأن هذه الأخيرة نصوص خاصة في بابها، والقواعد الكلية تقدم على مجمل الأحكام المستمدة من أحكام الشريعة الإسلامية؛ وموجب ذلك كونها قواعد كلية وأصولاً عامة متفقاً عليها بين الفقهاء في الجملة.
ويقرر آخر الفقرة أنه إذا لم يوجد نص نظامي يمكن تطبيقه على المسألة، ولا قاعدة كلية يمكن تطبيقها؛ فتطبق الأحكام المستمدة من الشريعة الإسلامية، بالفهم الواسع لها ليشمل مقاصدها وقواعدها وأصولها واختار النظام التعبير بـ: "أحكام الشريعة الإسلامية"، دون "أحكام الفقه الإسلامي" ؛ لأن مفهوم المصطلح الأول أوسع في الدلالة على المراد, كما أنه هو التعبير الأشهر في الأنظمة في المملكة، كما في المادة الثامنة والأربعين من النظام الأساسي للحكم، والمادة الأولى من نظام القضاء، والمادة الأولى من نظام المرافعات الشرعية.
ومن المتقرر أن هذا يشمل كل أحكامها من أي مذهب من المذاهب الفقهية المعتبرة، دون التزام بمذهب معين مادام الاختيار يتوافق مع ما قررته المادة وهو أن يكون الأكثر ملاءمة لهذا النظام.
ولأن من أهداف النظام وغاياته توحيد الاجتهاد القضائي والحيلولة دون حصول التعارض والتناقض في الأحكام فقد قررت الفقرة قيداً عند الاستمداد من أحكام الشريعة الإسلامية في المسائل المسكوت عنها، وهو كونه الأكثر ملاءمة لهذا النظام، ويقصد به أن يكون الحكم الذي يتم اختياره من بين الاجتهادات الفقهية المستمدة من أحكام الشريعة هو الأكثر ملاءمة مع ما اختاره المنظم في أحكام هذا النظام؛ إذ إن كلا منهما - الحكم المنصوص عليه والحكم المسكوت عنه مستمد من الشريعة؛ فوجب أن يكون ما يتم اختياره مما هو مسكوت عنه ملائماً لما هو منصوص عليه؛ لئلا يكون هناك تعارض في الأحكام. وهذه الملاءمة لا تقتصر على ما اختاره النظام في مسائل بعينها؛ بل تشمل النظريات والقواعد العامة؛ مثل: توصيفات العقود، وأركانها، وعيوب الرضى، وقواعد الفسخ، وأركان الفعل الضار، ونحو ذلك.
وغني عن البيان أن اجتهاد المحكمة في استمداد الحكم الشرعي في المسائل التي تنظرها وفقاً لهذه الفقرة يخضع لرقابة المحكمة العليا استناداً إلى أن من اختصاصاتها رقابة سلامة تطبيق المحاكم للأنظمة.
والإحالة لأحكام الشريعة الإسلامية في هذه المادة يؤكد على أن نصوص النظام مستمدة منها، فحيث لا نص في النظام فيرجع إليها كونها هي المصدر الذي استمدت منه أحكام النظام.
وخلاصة القول وفقاً لما قررته الفقرة: إن ترتيب تطبيق النصوص على الوقائع يكون وفقاً للآتي:
-
نصوص هذا النظام بكل أحكامها، سواء كانت هذه الأحكام معلومة من منطوق نص المادة أو من فحواها.
-
إذا لم يوجد حكم وفقاً للفقرة (أولاً)، فتطبق القواعد الكلية الواردة في الأحكام الختامية من هذا النظام.
-
إذا لم يوجد حكم وفقاً للفقرتين (أولاً) و (ثانياً) ، فتطبق الأحكام المستمدة من الشريعة الإسلامية الأكثر ملاءمة لهذا النظام، وفقاً لما سبق تقريره في مدلول الملاءمة.
ويجدر التنبه إلى أن الحاجة لإعمال الفقرتين (ثانياً) و (ثالثاً) يتطلب التحقق من عدم وجود نص للمسألة في هذا النظام سواء في النظرية العامة للالتزامات أو في الباب الخاص بها، وكذا في الأنظمة الأخرى.
وفيما يتعلق بإعمال القواعد الكلية الواردة في الأحكام الختامية؛ فهو مقيد بما قررته المادة (۷۲۰) بأن يكون تطبيقها بالقدر الذي لا تتعارض فيه مع النصوص النظامية، مع مراعاة طبيعتها والشروط والاستثناءات الخاصة بكل منها.
واختار المنظم النص على تلك القواعد ؛ لأنها نصوص كلية تستوعب الأصول العامة والقواعد الأساسية في الشريعة الإسلامية، ومن جهة أخرى فإن أحكامها متفق عليها في الجملة بين الفقهاء.
ومما له صلة بالمادة التي بين أيدينا من تلك القواعد قاعدة "العادة محكمة"، والعادة في تلك القاعدة هي العرف، ولكونها قاعدةً منصوصاً عليها في النظام فهي مصدر من مصادر الالتزامات في حال لم يوجد نص في النظام على الواقعة؛ ولذا لم يجد المنظم حاجة للنص على العرف لاستمداد حكم المسألة حال عدم وجود نص نظامي - كما هو الشأن في الكثير من القوانين النظيرة - اكتفاء بتلك القاعدة.
والعرف والعادة بمعنى واحد في الجملة، إلا أن النظام فرق بينهما؛ فعبر بالعرف في حال أراد الإشارة إلى المصدر، إلا ما يتعلق بالقاعدة الكلية "العادة محكمة"؛ لكونه التزم بالصياغات الأشهر للقواعد، وعبر بالعادة حين أراد العادة الجارية بين طرفي التعامل وتسمى كذلك "العادة الاتفاقية" ، وقد جمع النظام بين هذين المصطلحين بالمفهوم المشار إليه في الفقرة الثانية من المادة (١٠٤) ونصها: "إذا كان هناك محل لتفسير العقد فيجب البحث عن الإرادة المشتركة للمتعاقدين دون الاكتفاء بالمعنى الحرفي للألفاظ، ويستهدى في ذلك بالعرف وظروف العقد وطبيعة المعاملة وما جرت به العادة في التعامل بين المتعاقدين وحالهما وما ينبغي أن يسود من أمانة وثقة بينهما".
ويترتب على هذا التفريق بين العرف والعادة الجارية بين طرفين النتائج الآتية:
- أن للمحكمة أن تطبق العرف من تلقاء نفسها ولو لم يتمسك به الطرفان أو أحدهما، أما العادة الجارية بين طرفين فلا تطبقها المحكمة إلا إذا تمسك بها أحد الأطراف.
- يتعين على المحكمة أن تتحرى عن العرف كما تتحرى عن النصوص واجبة التطبيق أما العادة الجارية بين طرفين فيقع على مدعيها عبء إثباتها.
- أن العرف يلزم الطرفين ولو كانا يجهلانه أما العادة الجارية بين طرفين فلا تلزمهما إلا إذا كانا يعلمان بها وقصدا الإحالة إليها.
وبينت الفقرة الثانية من المادة أن تطبيق نصوص هذا النظام لا يخل بإعمال النصوص النظامية الخاصة في المسألة؛ إذ النص النظامي الخاص مقدم على النص العام؛ سواء كان سابقاً له في الصدور أو تالياً له؛ فلو قرر نص نظامي في عقد معين أنه لا ينعقد إلا وفق شكل معين؛ فلا يصح الاحتجاج بما قرره هذا النظام من أن الأصل في العقود أنها رضائية على صحة العقد في حال تخلف ذلك الشكل.
Related To
المادة الأولى
١- تُطبق نصوص هذا النظام على جميع المسائل التي تناولتها في لفظها أو في فحواها، فإن لم يوجد نص يمكن تطبيقه طُبقت القواعد الكلية الواردة في الأحكام الختامية، فإن لم توجد قاعدة يمكن تطبيقها طُبقت الأحكام المستمدة من الشريعة الإسلامية الأكثرُ ملاءمة لهذا النظام.
٢- لا يخل تطبيق نصوص هذا النظام بالنصوص النظامية الخاصة.